سورة الأعراف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}
وقوله سبحانه: {وَإِذَا فَعَلُواْ فاحشة} جملة مبتدأة لا محل لها من الإعراب وجوز عطفها على الصلة. والفاحشة الفعلة القبيحة المتناهية في القبح والتاء إما لأنها مجراة على الموصوف المؤنث أي فعلة فاحشة وإما للنقل من الوصفية إلى الإسمية والمراد بها هنا عبادة الأصنام وكشف العورة في الطواف ونحو ذلك. وعن الفراء تخصيصها بكشف العورة. وفي الآية على ما قاله الطبرسي حذف، أي وإذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها.
{قَالُواْ} جواب للناهين {وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا} محتجين بأمرين تقليد الآباء والافتراء على الله سبحانه. وتقديم المقدم للإيذان بأنه المعول عليه عندهم أو للإشارة منهم إلى أن آباءهم إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى على أن ضمير {أَمْرُنَا} كما قيل لهم ولآبائهم، وحينئذٍ يظهر وجه الإعراض عن الأول في رد مقالتهم بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء} فإن عادته تعالى جرت على الأمر حاسن الأعمال والحث على مكارم الخصال وهو اللائق بالحكمة المقتضية أن لا يتخلف، وقال الإمام: «لم يذكر سبحانه جوابًا عن حجتهم الأولى لأنها إشارة إلى محض التقليد وقد تقرر في العقول أنه طريقة فاسدة لأن التقليد حاصل في الأديان المتناقضة فلو كان التقليد حقًا لزم القول بحقية الأديان المتناقضة وأنه محال فلما كان فساد هذا الطريق ظاهرًا لم يذكر الله تعالى الجواب عنه»، وذكر بعض المحققين أن الإعراض إنما هو عن التصريح برده وإلا فقوله سبحانه: {إِنَّ الله} إلخ متضمن للرد لأنه سبحانه إذا أمر حاسن الأعمال كيف يترك أمره لمجرد اتباع الآباء فيما هو قبيح عقلًا والمراد بالقبح العقلي هنا نفرة الطبع السليم واستنقاص العقل المستقيم لا كون الشيء متعلق الذم قبل ورود النهي عنه وهو المتنازع فيه بيننا وبين المعتزلة دون الأول كما حقق في الأصول فلا دلالة في الآية على ما زعموه، وقيل: إن المذكور جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لهم لما فعلوها لما فعلتم؟ قالوا: وجدنا آباءنا فقيل: ومن أين أخذا آباؤكم؟ فقالوا: الله أمرنا بها، والكلام حينئذٍ على تقدير مضاف أي أمر آباءنا؛ وقيل: لا تقدير والعدول عن أمرهم الظاهر حينئذٍ للإشارة إلى ادعاء أن أمر آبائهم أمر لهم. وعلى الوجهين يمتنعالتقليد إذا قام الدليل على خلافه فلا دلالة في الآية على المنع من التقليد مطلقًا.
{أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من تمام القول المأمور به، والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون، وتوجيه الإنكار إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون صدوره منه عز شأنه مع أن منهم من يقول عليه سبحانه ما يعلم عدم صدوره مبالغة في إنكار تلك الصورة، ولا دليل في الآية لمن نفى القياس بناءً على أن ما يثبت به مظنون لا معلوم لأن ذلك مخصوص من عمومها بإجماع الصحابة ومن يعتد به أو بدليل آخر، وقيل: المراد بالعلم ما يشمل الظن.


{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}
{قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} بيان للمأمور به إثر نفي ما أسند أمره إليه تعالى من الأمور المنهي عنها؛ والقسط على ما قال غير واحد العدل، وهو الوسط من كل شيء المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط. وقال الراغب: «هو النصيب بالعدل كالنَّصَفِ والنَّصَفة. ويقال: القسط لأخذ قسط غيره وذلك جور والإقساط لإعطاء قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك يقال: قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل». وهذا أولى مما قاله الطبرسي من أن أصله الميل فإن كان إلى جهة الحق فعدل ومنه قوله سبحانه: {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} [المائدة: 42] وإن كان إلى جهة الباطل فجور ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] والمراد به هنا على ما نقل عن أبي مسلم جميع الطاعات والقرب. وروي عن ابن عباس والضحاك أنه التوحيد وقول لا إله إلا الله ومجاهد والسدي وأكثر المفسرين على أنه الاستقامة والعدل في الأمور.
{وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} أي توجهوا إلى عبادته تعالى مستقيمين غير عادلين إلى غيرها {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} أي في وقت كل سجود كما قال الجبائي أو مكانه كما قال غيره فعند عنى في والمسجد اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي، وكان حقه فتح العين لضمها في المضارع إلا أنه مما شذ عن القاعدة، وزعم بعضهم أنه مصدر ميمي والوقت مقدر قبله، والسجود مجاز عن الصلاة. وقال غير واحد: المعنى توجهوا إلى الجهة التي أمركم الله تعالى بالتوجه إليها في صلاتكم وهي جهة الكعبة. والأمر على القولين للوجوب. واختار المغربي أن المعنى إذا أدركتم الصلاة في أي مسجد فصلوا ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم، والأمر على هذا للندب والمسجد بالمعنى المصطلح ولا يخفى ما فيه من البعد. ومثله ما قيل: إن المعنى اقصد المسجد في وقت كل صلاة على أنه أمر بالجماعة ندبًا عند بعض ووجوبًا عند آخرين. والواو للعطف وما بعده قيل: معطوف على الأمر الذي ينحل إليه المصدر مع أن أي أن أقسطوا. والمصدر ينحل إلى الماضي والمضارع والأمر، وقال الجرجاني: إنه عطف على الخبر السابق المقول لقل وهو إنشاء معنى، وإن أبيت فالكلام من باب الحكاية. وجوز أن يكون هناك قل مقدارًا معطوفًا على نظيره. و{أَقِيمُواْ} مقول له. وأن يكون معطوفًا على محذوف تقديره قل أقبلوا وأقيموا.
{وادعوه} أي اعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعة فالدعاء عنى العبادة لتضمنها له والدين بالمعنى اللغوي. وقيل: إن هذا أمر بالدعاء والتضرع إليه سبحانه على وجه الإخلاص أي ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له في الدين {كَمَا بَدَأَكُمْ} أي أنشأكم ابتداءً {تَعُودُونَ} إليه سبحانه فيجازيكم على أعمالكم فامتثلوا أوامره أو فأخلصوا له العبادة فهو متصل بالأمر قبله.
وقال الزجاج: إنه متصل بقوله تعالى: {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: 25] ولا يخفى بعده. ولم يقل سبحانه: يعيدكم كما هو الملائم لما قبله إشارة إلى أن الإعادة دون البدء من غير مادة بحيث لو تصور الاستغناء عن الفاعل لكان فيها دونه فهو كقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] سواء كانت الإعادة الإيجاد بعد الإعدام بالكلية أو جمع متفرق الأجزاء. وإنما شبهها سبحانه بالإبداء تقريرًا لإمكانها والقدرة عليها. وقال قتادة: المعنى كما بدأكم من التراب تعودون إليه كما قال سبحانه: {مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وقيل: المعنى كما بدأكم لا تملكون شيئًا كذلك تبعثون يوم القيامة. وعن محمد بن كعب أن المراد أن من ابتدأ الله تعالى خلقه على الشقوة صار إليها وإن عمل بأعمال أهل السعادة ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إليها وإن عمل بعمل أهل الشقاوة. ويؤيد ذلك ما رواه الترمذي عن عمرو بن العاص قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قلنا: لا يا رسول الله فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ثم قال أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير». وقريب من هذا ما روي عن ابن جبير من أن المعنى: كما كتب عليكم تكونون. وروي عن الحبر أن المعنى كما بدأكم مؤمنًا وكافرًا يعيدكم يوم القيامة فهو كقوله تعالى: {هُوَ الذى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2].


{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}
وعليه يكون قوله سبحانه: {فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} بيانًا وتفصيلًا لذلك، ونظيره قوله تعالى: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} بعد قوله عز شأنه: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ} [آل عمران: 59] قيل: وهو الأنسب بالسياق. وذكر الطيبي أن هاهنا نكتة سرية وهي أن يقال: إنه تعالى قدم في قوله سبحانه: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] المشبه به على المشبه لينبه العاقل على أن قضاء الشؤون لا يخالف القدر والعلم الأزلي ألبتة وكما روعي هذه الدقيقة في المفسر روعيت في التفسير وزيد أخرى عليها وهي أنه سبحانه قدم مفعول {هُدًى} للدلالة على الاختصاص وأن فريقًا آخر ما أراد هدايتهم وقرر ذلك بأن عطف عليه {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} وأبرزه في صورة الإضمار على شريطة التفسير أي أضل فريقًا حق عليهم الضلالة وفيه مع الاختصاص التوكيد كما قرره صاحب المفتاح لتنقطع ريبة المخالف ولا يقول: إن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالتهم انتهى.
وكأنه يشير بذلك إلى رد قول الزمخشري في قوله تعالى: {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} «أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به، وهذا دليل على أن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالهم وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليتهم الشياطين دون الله تعالى» فجملة {إِنَّهُمُ اتخذوا} على هذا تعليل لقوله سبحانه: {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} ويؤيد ذلك أنه قرئ {أَنَّهُمْ} بالفتح. ويحتمل أن تكون تأكيدًا لضلالهم وتحقيقًا له وأنا والحق أحق بالاتباع مع القائل: إن علم الله تعالى لا يؤثر في المعلوم وأن من علل الجبر به مبطل كيف والمتكلمون عن آخرهم قائلون: إن العلم يتعلق بالشيء على ما هو عليه إنما الكلام في أن قدرة الله تعالى لا أثر لها على زعم الضلال أصحاب الزمخشري ونحن مانعون لذلك أشد المنع. ولا منع من التعليل بالاتخاذ عند الأشاعرة لثبوت الكسب والاختيار ويكفي هذه المدخلية في التعليل. والزمخشري قدر الفعل في قوله سبحانه: {وَفَرِيقًا حَقَّ} خذل ووافقه بعض الناس وما فعله الطيبي هو المختار عند بعض المحققين لظهور الملاءمة فيه وخلوه عن شبهة الاعتزال. واختير تقديره مؤخرًا لتتناسق الجملتان، وهما عند الكثير في موضع الحال من ضمير {تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] بتقدير قد أو مستأنفتان، وجوز نصب {فَرِيقًا} الأول و{فَرِيقًا} الثاني على الحال والجملتان بعدهما صفتان لهما، ويؤيد ذلك قراءة أبي {تَعُودُونَ تَعُودُونَ فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا} الخ، والمنصوب على هذه القراءة إما بدل أو مفعول به لأعني مقدرًا. ولم تلحق تاء التأنيث لحق للفصل أو لأن التأنيث غير حقيقي، والكلام على تقدير مضاف عند بعض أي حق عليهم كلمة الضلالة وهي قوله سبحانه: {ضَلُّواْ}.
{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} عطف على ما قبله داخل معه في حيز التعليل أو التأكيد. ولعل الكلام من قبيل بنو فلان قتلوا فلانًا والأول لكونه في مقابلة من هداه الله تعالى شامل للمعاند والمخطىء والثاني مختص بالثاني وهو صادق على المقصر في النظر والباذل غاية الوسع فيه، واختلف في توجه الذم على الأخير وخلوده في النار. ومذهب البعض أنه معذور ولم يفرقوا بين من لا عقل له أصلًا ومن له عقل لم يدرك به الحق بعد أن لم يدع في القوس منزعًا في طلبه فحيث يعذر الأول لعدم قيام الحجة عليه يعذر الثاني لذلك، ولا يرون مجرد المالكية وإطلاق التصرف حجة ولله تعالى الحجة البالغة، والتزام أن كل كافر معاند بعد البعثة وظهور أمر الحق كنار على علم وإنه ليس في مشارق الأرض ومغاربها اليوم كافر مستدل مما لا يقدم عليه إلا مسلم معاند أو مسلم مستدل بما هو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت. وادعى بعضهم أن المراد من المعطوف عليه المعاند ومن المعطوف المخطىء والظاهر ما قلنا، وجعل الجملة حالية على معنى اتخذوا الشياطين أولياء وهم يحسبون أنهم مهتدون في ذلك الاتخاذ لا يخفى ما فيه.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13